top of page

ماذا لو تولت المزيد من النساء قيادة الشؤون الدبلوماسية العراقية؟



لطالما كان تواجد المرأة والرجل في مراكز صنع القرار أحد العوامل الحاسمة في تحقيق العدالة والشمولية في المجتمعات، إلا أن المجال الدبلوماسي ظل لفترة طويلة يستعصي على التغيير، حيث تهيمن عليه القيادة الذكورية على مستوى العالم. وفقًا لمؤشر المرأة في الدبلوماسية لعام 2024، فإن نسبة النساء اللاتي يشغلن مناصب السفراء والممثلين الدائمين لبلدانهم لا تتجاوز 21% فقط، مما يعكس استمرار الفجوة في أعلى المناصب الدبلوماسية. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثل زيادة طفيفة مقارنة بعام 2023، حيث كانت النسبة 20.5%، إلا أن التقدم لا يزال يسير بوتيرة بطيئة للغاية.


إقليمياً، تسجل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)  أدنى النسب عالميًا في هذا الصدد، حيث لا تتجاوز نسبة النساء في المناصب الدبلوماسية الرفيعة 10%، وهي نسبة ضعيفة مقارنة بالمعدل العالمي. أما في العراق، فلا تزال أعداد السفيرات العراقيات محدودة مقارنة بنظرائهن  من الرجال.


في المقابل، نجد دولًا مثل كندا والسويد وفنلندا قد تجاوزت بالفعل حاجز الفجوة حيث تصل نسبة السفيرات إلى أكثر من 50%. هذه الدول تقدم نموذجًا يُحتذى به في كيفية تعزيز دور المرأة في السياسة الخارجية. من هذا المنطلق، فإن مناقشة أثر قيادة النساء للشؤون الدبلوماسية في العراق والعالم العربي تُعد مسألة جوهرية، ليس فقط لتحقيق التنوع الجندري ولكن أيضًا لتعزيز جودة القرارات الدبلوماسية وتقديم رؤية أكثر شمولية للقضايا الدولية.


أهمية تمثيل النساء في العمل الدبلوماسي  

لا يقتصر تعزيز مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي فقط على تحقيق العدالة الاجتماعية، بل يمكن أن يكون له تأثير كبير على دعم الدبلوماسية الناعمة للعراق، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها البلد الذي شهد العديد من الصراعات والحروب أثرت على استقراره الداخلي وصورته على الساحة الدولية، مما يجعل من الضروري توظيف أدوات دبلوماسية أكثر مرونة وقدرة على بناء الجسور مع المجتمع الدولي. هنا يأتي دور المرأة، حيث أثبتت التجارب الدولية أن الدبلوماسيات يملن إلى تبني نهج أكثر تعاونًا وشمولية في السياسة الخارجية، مما يسهم في تعزيز فرص التفاوض وبناء علاقات أكثر استدامة.

يمكن لمشاركة النساء في العمل الدبلوماسي أن تلعب أيضا دورًا محوريًا في تعزيز عمليات صنع السلام والاستقرار، حيث تميل القيادات النسائية إلى التركيز على القضايا الإنسانية والتنموية، وهي مجالات أساسية لخلق علاقات دولية إيجابية، كما أن تمكين المرأة في هذا المجال يمنح العراق فرصة لتقديم صورة دبلوماسية أكثر توازنًا، تُظهر التزامه بمبادئ الشمولية والتنوع، مما يعزز من مكانته الدولية. 

كذلك وفي ظل التوجه العالمي نحو تعزيز دور المرأة في السياسة الخارجية، فإن رفع نسبة النساء العاملات في السلك الدبلوماسي العراقي يمكن أن يسهم في تحسين علاقات العراق الخارجية، وتعزيز قدرته على لعب دور أكثر فاعلية في الوساطة الدولية وبناء الاستقرار في المنطقة.


القوة الناعمة 

هناك  تفاوت كبير  بين الدول في تمثيل المرأة في المناصب الدبلوماسية العليا. فبينما حققت بعض الدول تقدمًا ملموسًا في تعيين النساء سفيرات، لا تزال دول أخرى، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، متأخرة في هذا المجال.

عربيًا، تتصدر لبنان قائمة الدول من حيث نسبة السفيرات بـ 27%، تليها الأردن بـ 19%، ثم المغرب بـ 17%، في حين تسجل دول مجلس التعاون الخليجي نسبة متدنية جدًا تبلغ 5.6% فقط. أما في العراق، فلا تتجاوز نسبة السفيرات 3%، حيث تشغل النساء مناصب دبلوماسية رفيعة في عدد محدود من الدول، مثل السفيرة صفية السهيل في المملكة العربية السعودية، والسفيرة لينا جلال في جمهورية بلغاريا. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من النساء يشغلن منصب قائم بالأعمال، مثل القائمة بالأعمال لجمهورية العراق في بلغراد والقائمة بالأعمال المؤقتة في المكسيك، ما يشير إلى بداية حضور المرأة العراقية في المناصب الدبلوماسية العليا وخطوات نحو تعزيز تمثيلها في المستقبل.





على الصعيد العالمي، تمثل النساء 100% من السفراء في أنتيغوا وباربودا، و63% في باربادوس، و64% في بليز، و58% في موريشيوس. أما في أوروبا، فتعد الدول الاسكندنافية مثل الدنمارك وفنلندا وآيسلندا والنرويج من بين الدول التي تملك أعلى نسبة من النساء السفيرات، حيث بلغت 42% في عام 2024.


لماذا يُعدّ وجود المرأة مهما في حل النزاعات ؟

تلعب  المرأة العاملة في المجال الدبلوماسي دورا مهما في  حل النزاعات بطرق أكثر استدامة، حيث ثبت أن مشاركة المرأة في عمليات السلام تقلل من احتمالية انهيار الاتفاقيات وتعزز استمراريتها على المدى الطويل. ومن هذا المنطلق، يعد تمكين المرأة في المجال الدبلوماسي جزءًا أساسيًا من التزام الدول بأجندة المرأة والسلام والأمن (WPS)، التي أقرها مجلس الأمن في قراره رقم 1325، والذي يدعو إلى مشاركة فاعلة للنساء في عمليات السلام وصنع القرار، والعراق جزء من هذه الاتفاقية، مما يضعه أمام مسؤولية تعزيز دور المرأة في المجال الدبلوماسي وضمان تمثيلها العادل في المحافل الدولية. 

وتلعب الدبلوماسيات العراقيات دورًا حيويًا في تقديم نموذج جديد للقيادة النسائية في الشؤون الخارجية، فوجودهن لا يعكس فقط التزام البلاد بالمساواة، بل يسهم أيضًا في تقديم رؤية أكثر شمولية للسياسة الخارجية، قائمة على الحوار والتفاهم وبناء السلام.

إن تعزيز تمثيل النساء في السلك الدبلوماسي العراقي لن يسهم فقط في تحقيق الشمول، بل سيكون له أثر إيجابي في تحسين صورة العراق عالميًا، حيث يعكس هذا التوجه التزام العراق بتحديث دبلوماسيته وجعلها أكثر شمولية واستدامة. 

نأمل أن نشهد في المستقبل القريب مزيدًا من النساء العراقيات في المناصب الدبلوماسية العليا، لأن الدبلوماسية الناجحة لا تعتمد فقط على القوة والتأثير، بل أيضًا على القدرة على بناء الجسور، وهي إحدى أهم نقاط القوة التي تمتلكها القيادات النسائية.


لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

Comments


Follow Us !

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page