top of page

لماذا لا يحظى الإبداع النسائي في العراق بالدعم الدولي الكافي؟

تاريخ التحديث: قبل 4 أيام



في الوقت الذي يسعى فيه العراق إلى تجاوز سنوات من الأزمات والصراعات، ويتجه بخطى حذرة نحو الاستقرار وإعادة البناء، تُطرح تساؤلات جوهرية حول شكل "العراق الجديد" وهويته الثقافية والاجتماعية. وسط هذا المشهد الانتقالي، يبرز غياب ملفت للدعم الموجه للإبداع النسائي وكأن المبادرات الثقافية الإبداعية التي تقودها النساء لا مكان لها في خارطة التنمية للمنظمات والبرامج الدولية في البلاد.

لكن، هل يمكن فعلاً بناء عراق حديث من دون أن تُسمع أصوات النساء في الحقول الإبداعية؟ ولماذا لا تزال السياسات الدولية وحتى برامج الدعم تتجاهل هذا الجانب الحيوي من التحول المجتمعي؟


الفن ليس أولوية


رغم تزايد عدد البرامج والمبادرات الدولية العاملة في العراق، إلا أن من النادر أن نجد من بينها من يضع الإبداع، خصوصًا الإبداع النسائي، في صميم أولوياته. تركّز معظم هذه الجهات على ملفات مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، التعليم، التمكين الاقتصادي، أو المشاركة السياسية – وهي كلها قضايا محورية بلا شك – لكن الإبداع غالبًا ما يُنظر إليه كترف، أو كأنه لا يمثل أولوية ملحّة في بلد ما زال يواجه تحديات تنموية وأمنية.

هذا الإطار الضيق للفهم، يجعل الدعم الدولي يمرّ مرور الكرام على مجالات مثل التصميم، الفن التشكيلي، المسرح، الموسيقى، والسينما، وهي كلها أدوات تعبير مجتمعي قادرة على إحداث أثر على المدى البعيد، خاصة عندما تقودها النساء.


تقول سارة، مصممة جرافيك شابة من بغداد: "هناك عشرات الورش والدورات التدريبية الممولة من طرف منظمات دولية، ولكن كلها تدور حول مواضيع مكررة، مثل إدارة المشاريع أو الحقوق، ونادر جدًا ما يعترضني برنامج يخص التصميم مثلا كأن الإبداع غير مهم عندهم."


أما دعاء، فنانة تشكيلية من البصرة، فتؤكد أنها حاولت التقديم على أكثر من مشروع تابع لمنظمات دولية، ولكن كلها كانت تركّز على الجانب الاجتماعي. " الإبداع والتقنية ليس لها أي مجال، رغم أن الفن له القدرة على أن يوصل رسائل أقوى من أي منشور توعوي."

هذا التوجه يطرح تساؤلات جدية حول مدى فهم الجهات الدولية لاحتياجات المجتمع العراقي بشكل كامل، فالإبداع والفنون ليسا مجرد وسيلة للعرض والزينة، بل هي مساحة للتنفس، ولإعادة بناء السرديات المجتمعية، لا سيما في بلد مرّ بصدمات متراكمة. وبدون دعم ، يتم تغييب أصوات نسائية قادرة على سرد واقع العراق بطريقة جديدة، تنبض بالحياة والتنوع.

من المهم أن تعيد الجهات الدولية تقييم أدوات تدخلها، وأن تعترف بأن تمكين النساء لا يقتصر على المهارات الاقتصادية أو الحقوق القانونية، بل يشمل أيضًا تمكينهن من أن يكنّ رواة حقيقيات لحكاية العراق من منظورهن الفني والإنساني.


تهميش المبدعات العراقيات


يواجه الإبداع النسائي في العراق تحديات مزدوجة: من جهة، واقع اقتصادي هش يجعل من العمل الإبداعي خيارًا محفوفًا بالمخاطر؛ ومن جهة أخرى، سوء تقدير من قبل المجتمع الدولي لدور الفن والثقافة والتطور التقني في إعادة تشكيل صورة العراق عالميًا.

في ظل التحديات الاقتصادية الحالية، تضطر العديد من الشابات المبدعات إلى ترك مجالاتهن أو تقليص نشاطهن الفني أو التقني لصالح أعمال أكثر استقرارًا. غياب البنية التحتية الثقافية، وندرة المساحات الفنية، وضعف الفرص التمويلية، يجعل الاستمرار في العمل الإبداعي أمرًا شبه مستحيل دون دعم خارجي. لكن المنظمات الدولية العاملة في العراق غالبًا ما تتجاهل هذه الحاجة، بحجّة أن التنمية "الحقيقية" يجب أن تركز على الاقتصاد والأمن والتعليم، وكأن الإبداع لا يلعب دورًا في كل هذه المسارات مجتمعة.


في هذا السياق، تُهمَّش الفنانات والمبدعات في البرامج الدولية، ويُتركن لخوض معارك فردية من أجل البقاء. هذا التوجه لا يعكس فقط قصورًا في الفهم، بل أيضًا يفوّت فرصة استراتيجية لتحسين صورة العراق في المحافل الدولية، ليس فقط من خلال الخطاب السياسي، بل عبر الفنون والإبداع الذي يروي قصصًا إنسانية مؤثرة تتجاوز حدود اللغة والجغرافيا.

العراق ليس بلدًا عاديًا؛ هو بلد حضارات ضاربة في عمق التاريخ، من سومر وبابل إلى بغداد العباسيين. روح الإبداع متجذّرة في نسيجه الاجتماعي، ولا تزال حية في شباب اليوم، الذين يعبّرون عن أنفسهم عبر الفنون، التصميم، النحت، السينما، والكتابة وغيرها العديد من المجالات الابداعية. لكن هذا الرصيد الإبداعي مهدد بالاندثار إن لم يجد من يمد له اليد.

بدون رؤية دولية واعية لأهمية هذا القطاع، سيبقى الابداع العراقي حبيس الجدران المغلقة، أو ينمو في الظل على منصات التواصل الاجتماعي، بدل أن يُقدّم للعالم كصورة بديلة عن الحروب والنزاعات التي طالما طغت على سمعة العراق في الخارج.

التمويل ليس رفاهية، بل ضرورة. والدعم الحقيقي للمجتمعات يتكون عبر بناء الوعي الثقافي، وتمكين الشباب والشابات من صنع قصص نافذة يرى العالم من خلالها عراقًا مختلفًا... عراقًا مبدعًا، حيًّا، ومتجددًا.


فرص تمكين النساء في المجال الفني


رغم التحديات، لا تزال هناك فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار للإبداع النسائي في العراق، شريطة أن تعيد المنظمات الدولية صياغة أولوياتها ونظرتها لما يُعتبر "تنمية". إن دمج الفنون والثقافة ضمن استراتيجيات الدعم لا يجب أن يُنظر إليه كإضافة تجميلية، بل كجزء لا يتجزأ من إعادة بناء المجتمعات بعد النزاع، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وتمكين النساء من أدوات التعبير والتأثير.

يمكن للمنظمات الدولية أن تلعب دورًا حاسمًا في هذا التحول عبر خطوات عملية مثل:


  • إطلاق برامج تمويل متخصصة لدعم المبدعات والمصممات في شتى المجالات، مع التركيز على الفئات الشابة والمبادرات المجتمعية.

  • إنشاء شراكات مع مراكز فنية وثقافية محلية لتوفير مساحات عرض وتدريب، وتبادل خبرات مع فنانين دوليين.


  • دمج الفن والإبداع في مشاريع التنمية التقنية الحديثة، مثل استخدام المسرح أو الفن التشكيلي في حملات التوعية أو بناء السلام.

  • توفير منصات دولية لعرض أعمال المبدعات العراقيات، والمساهمة في إعادة تصدير صورة العراق كبلد حيّ، غني بثقافته، لا يُختزل في تاريخه الصعب فقط.


لقد آن الأوان لتوسيع زاوية الرؤية، فالمبدعة العراقية لا تحتاج فقط إلى الاعتراف، بل إلى الاستثمار في موهبتها، وتمهيد الطريق لها لتكون شريكة حقيقية في صناعة مستقبل العراق الثقافي.

ودعم الإبداع النسائي لا يعني فقط تمكين فئة معينة، بل هو استثمار في رواية جديدة للعراق – رواية تصنعها النساء، بالألوان والأشكال والكلمات، وتقدم للعالم بلدًا ينبض بالحياة، لا بالصراعات. وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن الفنون سواء القديمة ام الحديثة ليست رفاهية، بل أداة قوة ناعمة، وإحدى مفاتيح التحول الحقيقي الذي يحتاجه العراق اليوم.



لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)



Comments


Follow Us !

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page