لم تتوقع المواطنة زمن احمد، (٢٥ سنة)، ان تتحول علاقة الحب التي عاشتها مع زميلها في الجامعة الى كابوس مرعب لذنب لم تقترفه وما زالت تبحث له عن إجابة.
اتفقت زمن مع الحبيب على الزواج بعد تخرجهما، كانا يعدان الأيام لإعلان النتائج، حضرا معا حفل التخرج وأصبحا مهندسان، خططا معا لحفل زفافهما، تقدم لخطبتها وعقد القران وزفا الى أحد الفنادق، حققا حلما خططا له سنوات، قضيا ليلتهما الأولى بسعادة حتى طلع الفجر عليهما، فغلب النعاس على زمن. حين استيقظت العروس لم تجد زوجها، فظنت انه خرج ليأتي لها بالإفطار.
وتقول زمن، إن "لم اشعر بالسعادة في حياتي قدر تلك الليلة، وقد اشعرني انه لا يريد شمسا لنهار اليوم التالي ويتمنى لو استمر الليل للأبد، استفقت صباحا فلم اجده، كنت سعيدة جدا اذ تصورت انه ذهب ليأتي لي بالإفطار على السرير كما كنت اشاهد في الأفلام، لكنه تأخر كثيرا فاتصلت على هاتفه وكان مغلقا، اعدت الاتصال عدة مرات، فتحت خزانة الملابس فلم أجد له شيئا فيها، نزلت الى استقبال الفندق للسؤال عنه، فاخبروني بمغادرته مع حقيبة ملابسه".
زادت حيرة العروس فاتصلت بأمها واخبرتها، أتى والدها وأخاها غاضبان الى الفندق، استفهامات وشكوك عدة تملكت الحاضرين، لماذا هجرك في صباح زفافك وماذا سنخبر الناس ان علموا بالفضيحة؟، سؤال لم تعرف الإجابة عنه.
تعاني زمن حتى اليوم من الوصمة الاجتماعية بين زملاء العمل والجيران، أكثر من شخص تقدم لخطبتها لكن حين يعلم قصتها يتراجع، فمن يرغب بالزواج من امرأة هجرت في صباح زفافها.
وتوضح زمن، أن "اهلي علموا من أسرته انه هاجر خارج العراق، وكان قد خطط لكل شيء، وزواجه مني لم يكن أكثر من ايفاء لعهوده، لا اريد اكثر من الطلاق على أمل ان انشغل في عالمي عن التفكير فيه، كيف استطاع تمثيل كل تلك المشاعر، لو قتلني لكان أهون مما سببه لي من أذى".
تطلقت زمن امام المحكمة المختصة بعد نحو سنتين، لكن الاثار النفسية من الوصمة الاجتماعية ملازمة لها.
و نصت المادة (58) من قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 ان نفقة كل انسان في ماله الا الزوجة فنفقتها على زوجها وحدد القانون انواع النفقات للزوجة وهي (المستمرة والماضية والمؤقتة).
كما نصت المادة (23) على احقية الزوجة في النفقة من تاريخ العقد الصحيح حتى وان كانت في بيت اهلها أي من تاريخ عقدها امام قاضي الاحوال الشخصية، وتقدر النفقة للزوجة حسب الحالة المادية للزوج والزوجة معا ويحدد المبلغ المدفوع شهريا من قبل الزوج اما بالاتفاق بين الطرفين او عند الاختلاف يتم اختيار خبراء من قبل المحكمة لتحديد مقدار النفقة معا ان كان عسرا ام يسرا، وتشمل النفقة الطعام والكسوة والسكن.
اما النفقة الماضية فتستحقها الزوجة في حال هجر الزوج لها او تركها لفترة طويلة دون إنفاق ولكن إذا كانت الزوجة قد تم الدخول بها فتستحق النفقة لفترة سنة واحدة مهما كانت المدة التي لم ينفق عليها فيها، اما اذا لم يتم الدخول بها تستحق النفقة للفترة التي تركها زوجها فيها دون انفاق وهي فترة لم تحدد وعليه تكون فترة مفتوحة.
كما أن النفقة المؤقتة تستحقها من تاريخ المطالبة بها عند اقامة دعوى النفقة وتنتهي عند صدور قرار الحكم.
اما حكم الهجر في الشرع الإسلامي، يحقّ لها المطالبة بالطلاق من الحاكم الشرعي فيما إذا امتنع زوجها من أداء حقوقها الزوجيّة وامتنع من طلاقها أيضاً بعد إلزام الحاكم الشرعي إيّاه بأحد الأمرين، فيطلّقها الحاكم عندئذٍ، والحالات التي يشملها الحكم المذكور، "إذا امتنع من الإنفاق عليها ومن الطلاق، ويلحق بها ما كان غير قادر على الإنفاق عليها وامتنع مع ذلك من طلاقها، أو ما إذا كان يؤذيها ويظلمها ولا يعاشرها بالمعروف كما أمر الله تعالى به، أو إذا هجرها تماماً فصارت كالمعلّقة، لا هي ذات زوج ولاهي خليّة".
في احدى قرى محافظة المثنى (نحو 270 كم جنوب بغداد)، تسكن المواطنة، خيرية سعيد، (47 سنة)، هي أم لخمسة أبناء جميعهم في المدارس، هجرها زوجها قبل أربعة أعوام وتنصل من مسؤولياته، وجدت المرأة نفسها اما واب لأولادها، لم تستلم لتعيش في دوامة هجرها، فقررت العمل لتمنح أبنائها فرصة اكمال دراستهم.
وتقول خيرية، إن "المسؤولية كبيرة والحمل ثقيل لامرأة في قرية صغيرة بلا معيل او عمل، فعزمت على انشاء مشروعي الصغير لتربية الدجاج البياض، ساعدني أهالي القرية بشراء البيض، بدأ مشروعي يكبر وأصبح لي حقل دواجن منزلي، يساعدني اولادي بجمع البيض واطعام الدجاج، لم أفكر بطلب التفريق عن زوجي لهجره، فهو ابن عمي والطلاق مرفوض بأعراف عشيرتنا".
لا تخلو اي علاقة زوجية من المشكلات والتحديات خاصة مع طول فترة الزواج التي قد يتسرب من خلالها الملل والروتين مما يؤثر على مشاعر الزوجين او أحدهما، وقد يؤدي الى التفكير في الانفصال أو الاهمال او البعد او الهجر داخل المنزل او الطلاق في النهاية حتى مع وجود الأطفال، كما ترى الباحثة نور علي.
وتقول علي، إن "تخلي الزوج يحتاج من الزوجة فهم أصل المشكلة، وجعله يشعر بمكانتها وقيمتها، من خلال عدم التوسل للعودة لها، والابتعاد عن انتقاد سلوكياته وجذبه للحديث معها مرة اخرى دون التطرق لموضوع الهجر، والاهتمام بمظهرها وملبسها وشخصيتها، وأن لا تنزعج من ردود افعاله، والانشغال بهواية جديدة او تكوين صداقات ايجابية او البحث عن عمل او اكتشاف الانشطة المتاحة لتنفيذها".
تشير تقارير رسمية صادرة عن مؤسسات حكومية في محافظة المثنى انها تضم 520 قرية، و43 حيا عشوائيا، تنتشر فيها ظاهرة هجر الزوج لزوجته، فيما تقل النسبة في مراكز المدن التابعة الى المحافظة، والسبب في ذلك يعود الى الاعراف والتقاليد التي ترفض الطلاق خاصة ان كان الزوجان من الأقارب.
Comentários