"لم يخبرني أخي أنه سيستحوذ على مصوغات والدتي، ومنزل والدي بعد وفاتهما، لم يشعر للحظة أنه مضطر لإشعاري بذلك، تصرّف وكأني غير موجودة. أخذ كل شيء ببساطة، وقال لي: شوكت تتزوجين وتطلعين من البيت؟"، هكذا روت بحزن إكرام سعيد (44 عاما).
رغم استنكارها ما فعله شقيقها، تزوجت الفتاة كما طلب منها، ذهبت إلى بيت زوجها، الذى بادرها بسؤال: أين ميراثك؟ ولم تعرف الأخيرة ما تجيبه.
اعتادت النساء في العراق أن لا يعترضن على استيلاء إخوتهن من الذكور على ميراثهن. هكذا استحوذ أخ إكرام على منزل العائلة وحتى الأثاث، تزوج وأنجب فيه. وبعد وفاته أوصى ببناء بعض المساجد على روحه. " كيف يحدث ذلك بعد أن أكل حقي؟" تستنكر الأخيرة.
سطوة العشيرة هي القاعدة
على الرغم من إقرار القانون العراقي حق المرأة بنيل نصيبها من الميراث، إلا أن سطوة العشيرة والأعراف هي التي تُنفّذ في الأخير.
تقول مها محمد (38 عاما) أن اخوتها قاموا بابتزازها عند وفاة والدها، لم يكن الأمر سهلا أن تعطي حصتها لكنها فعلت: " أخبرني أخي الأكبر أنهم سيتبرأون مني لو أصررت على أخذ حصتي، خاصة وأن لي زوج له بيت، وقد أرثه منه يوما، رفضت في البدء، لأنها شريعة الرب، لكنهم هددوني بمقاطعتي، وهذا ما أرعبني، فأين سأذهب إذا ما حدث خلاف بيني وبين زوجي؟".
تُعدّ الشريعة الإسلامية مصدرًا من مصادر القانون عمومًا، ومصدرًا أساسيًا في قضايا الميراث، كما يوضح المحامي ايهاب عطا، إذ أن قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة (1959) المعدل يتبنى أحكام الميراث من الشريعة، وذلك بموجب التعديل الأول للقانون عام (1963)، كما أضيف الباب التاسع المسمى "في أحكام الميراث" إلى القانون المذكور، وتضمنت المواد (86-91) كل ما يتعلق بالميراث من حيث أركانه وأسبابه وشروطه، إضافة إلى الحقوق المتعلقة بالتركة والورثة المستحقين وغيرها من الأحكام.
أكدت هذه المواد حق المرأة في الميراث، إذ ترث من المتوفى إما عن طريق القرابة، مثل: الأم، البنت، الجدة، الأخت، بنات الأخ أو الأخت، العمة، والخالة، أو عن طريق الزواج، حيث يكون نصيبها الثُمن في حال وجود ولد، والربع في حال عدم وجوده.
"على الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية العراقي أقر بحق المرأة في الميراث، وفصّل الأحكام المتعلقة بهذين الجانبين، إلا أنه يعاني من قصور واضح في توفير الحماية القانونية الكافية لحقوق الورثة بشكل عام، ولحقوق المرأة بشكل خاص، حيث أنه لم يشتمل على تدابير فعالة لمنع التعدي على نصيب النساء في الميراث من قِبل الورثة الآخرين، كما لم يفرض عقوبات جنائية واضحة على حالات الحجب أو الحرمان من الميراث" يقول المحامي ايهاب.
طرق احتيال عديدة على القانون والشريعة
يعمد العديد من الرجال إلى حرمان نساء العائلة من الميراث، مما يعكس نوعًا من السلطة الذكورية الممارسة عليهن، ويتناقض هذا السلوك مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي نصت بوضوح على تحريم أي تعدٍّ على حقوق الورثة، بما في ذلك حقوق النساء. يُبين المحامي ايهاب، أن الشريعة اعتبرت الاستيلاء على الميراث بغير حق "ظلمًا وعدوانًا". ومع ذلك، يظل القانون قاصرًا فيما يخص منع هذه التجاوزات أو في فرض عقوبات صارمة على المعتدين، مما يستدعي تدخل المشرع لتعديل قانون الأحوال الشخصية وإدراج مواد أكثر صرامة في القوانين العقابية لحماية حقوق المرأة في الميراث، خاصة مع تزايد حالات التعدي.
أحد الأسباب التي تجعل بعض الرجال يستولون على ميراث أخواتهم من النساء هو " استغلالهم للأعراف والتقاليد المجتمعية التي تمنح الرجل سلطة أكبر في الأسرة، حيث تُعزز هذه الأعراف فكرة أن الرجال هم المسؤولون عن إدارة الأموال والعقارات، حتى لو كانت تلك الأموال حقًا للنساء. كذلك يستغل بعض الرجال ضعف المرأة أو خوفها من المطالبة بحقوقها لتفادي الفضيحة أو الإقصاء أو عدم قدرتها على التنقل إلى المحاكم" ، توضح الباحثة معراج المالكي، وتضيف أن " هذه الممارسات تستند إلى ثقافة تهميش حقوق المرأة، التي تُعتبر في بعض البيئات المجتمعية جزءًا من النظام الأبوي التقليدي. بالرغم من أن القانون العراقي واضح في دعمه لحق المرأة في الميراث، إلا أن التقاليد الاجتماعية أحيانًا تتفوق على القانون، مما يسمح لهذه الانتهاكات بالاستمرار دون مواجهة كافية".
في أغلب المناطق العراقية، من الشائع سرقة ميراث المرأة، وخاصة الريفية منها. وغالبًا ما يلجأ الذكور إلى التحايل على الشريعة والقانون لحرمان المرأة من ميراثها، من خلال الضغط عليها للتنازل عن حقها عبر طرق مثل الهبة أو البيع أو التخارج بصورة صورية، بحيث تصبح التركة محصورة بالذكور فقط، تحت ذريعة الحفاظ على أموال الأسرة من الانتقال إلى "أسر غريبة" كما تقول المالكي .
والمقصود بالتخارج هنا، ان يتصالح الورثة على إخراج بعضهم عن نصيبه من الميراث لمصلحة احدهم او الباقين من الورثة، مقابل شيء معلوم من التركة او غيرها. توضح المادة ٤٢٦ من قانون التسجيل العقاري رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٣ التخارج وهو "اتفاق جميع او قسم من الورثة على إخراج بعضهم من الميراث او الانتقال بعوض معلوم من التركة.
وتُنجز معاملات التخارج في المحاكم، وغالبًا ما يكون المتخارج من الإناث والمتخارج له من الذكور، وببدل صوري. ومع ذلك، لا يملك القضاء سوى إتمام التخارج بعد التأكد من أن المرأة قد قامت بذلك بإرادتها والتأكد من أنها قد قبضت الثمن.
وتُبيّن المالكي التي عملت على الكثير من القضايا المتعلقة بحق المرأة بالميراث، أنه قد يلجأ بعض الورثة إلى حرمان المرأة من حقها بصورة مباشرة عبر استخراج "القسام الشرعي" دون إدراج اسم الوريثة فيه، ثم التصرف بنصيبها وبيعه. وقد رفعت عدة دعاوى أمام محاكم البداءة من قِبل النساء الوريثات للمطالبة بتصحيح القسام الشرعي واستعادة حقوقهن المسلوبة، إلا أن بعضهن يتنازلن -فيما بعد- عن القضايا وحصصهن، تحت الابتزاز والتهديد.
وتتخذ التجاوزات أشكالًا عديدة أخرى، من بيع التركة بصورة صورية لشخص قريب، إلى سرقة بصمات الأب وهو على فراش الموت لإتمام صفقات غير قانونية. يُضاف إلى ذلك التبرير الذكوري القائل بأن الذكور في العائلة هم من ساهموا في تكوين الثروة، خاصة في ما يتعلق بالعقارات، وبالتالي يجب أن يبقى امتلاكها حكرا عليهم، وفقًا للأعراف والتقاليد.
هكذا تضيع حقوق النساء وسط ضعف تنفيذ القوانين واستفحال السلطة العشائرية.
لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)
Comments