في عصر السوشيال ميديا، حيث تتعدد الصور والإعلانات لتقديم تعريفات محددة لجمال المرأة، تجد النساء العراقيات أنفسهن محاصرات بإغراءات وهمية لعمليات تجميل الأعضاء التناسلية، فبين وعود "التوريد" و"التضييق" و"الشكل المثالي"، تتعرض النساء لضغوط نفسية ومجتمعية تدفعهن نحو إجراءات قد تكون خطيرة وغير ضرورية، تُظهر طرق استغلال ممنهج يستهدف النساء العراقيات في أكثر المناطق حساسية.
نسرين، اسم مستعار 35 عامًا، وهي أم لطفلين أجرت عملية تضييق المهبل بناء على توصية من الطبيبة النسائية التي تراجعها بشكل دوري.
تقول نسرين:"خلال إحدى المراجعات، بدأت الطبيبة توجه لي كلمات غريبة، مثل "كيف ينام زوجك معك وقد أصبحتِ مغارة؟، في إشارة إلى توسع المنطقة المهبلية بعد الولادة الطبيعية".
في البداية، تجاهلت نسرين هذه التلميحات، لكن الطبيبة أصرت على رأيها، وكرّرت ضغوطها وحذرتها من أن زوجها قد يبحث عن امرأة أخرى إذا لم تخضع لعملية التضييق. تقول نسرين: "لم أكن أفهم ما هي هذه العملية أساسًا أو ما سبب إجرائها، خاصة وأن علاقتي مع زوجي كانت مستقرة. لكنني استسلمت في النهاية لضغط الطبيبة وخضعت للعملية".
بلغت تكلفة العملية مليون ونصف دينار عراقي أي ما يقارب (1100 دولار امريكي)، لم تكن الكلفة الباهظة العقبة الوحيدة التي واجهتها نسرين. فقد عانت من آلام شديدة بعد العملية استمرت لمدة أسبوع، واضطرت إلى الامتناع عن ممارسة العلاقة الزوجية لمدة شهرين.
تقول نسرين: "ندمت بشدة على إجراء هذه العملية. أعتقد أنني تعرضت للضغط من قبل الطبيبة التي كانت تسعى لتحقيق مكاسب مادية، وليس لعلاج حالة طبية كنت أعاني منها".
جسد المرأة بين ختان الأمس وتجميل اليوم
في تناقض صارخ يثير الدهشة، يبدو أن المرأة عالقة بين مطرقة الماضي وسندان الحاضر. ففي الماضي، كانت بعض المجتمعات تمارس ما يعرف بـ"ختان الإناث"، وهي عملية "وحشية" تستهدف بتر جزء من أعضائها التناسلية بهدف كبح جماح رغباتها الجنسية، تحت ذريعة الحفاظ على "الشرف".
أما اليوم، وفي ظل مجتمع يفترض أنه أكثر تحررًا، نجد أنفسنا أمام ظاهرة جديدة لا تقل خطورة، وهي الهوس بعمليات التجميل النسائية، التي تهدف إلى تغيير شكل الأعضاء التناسلية لتتوافق مع معايير جمال متخيلة وغير واقعية.
في كلتا الحالتين، يتم التعامل مع جسد المرأة كأنه مشروع يجب تعديله وتطويعه وفقًا لرغبات وأهواء الذكور، متجاهلين تمامًا حقها في تقرير مصيرها والتحكم في جسدها.
إن هذا التناقض يكشف استمرار هيمنة الفكر الذكوري على مجتمعاتنا، والذي يرى المرأة ككائن جنسي يجب السيطرة عليه وتوجيهه، سواء من خلال قمع رغباتها أو التحكّم في جسدها.
ففي حين كان الهدف في الماضي هو قتل الرغبة الجنسية لدى المرأة، أصبح الهدف اليوم هو جعلها أسيرة لمعايير جمال متخيلة، تدفعها للخضوع لعمليات جراحية مؤلمة وخطيرة، في محاولة يائسة لتحقيق "المثالية" التي لا وجود لها إلا في مخيلة البعض.
تُبيّن الطبيبة رشا الجنابي، أخصائية نسائية وتوليد أن " عملية تضييق المهبل هي إجراء جراحي يتم اللجوء إليه في حالات محددة، مثل ارتخاء عضلات المهبل بشكل كبير بعد الولادات المتكررة أو التقدم في العمر، مما يؤثر على جودة الحياة الجنسية للمرأة. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن هذا الإجراء طبي وليس تجميليًا، ولا يجب اللجوء إليه إلا بعد استشارة طبية شاملة وتقييم دقيق للحالة."
وأضافت الجنابي "أما بالنسبة لحقن مادة الفيلر في منطقة الفرج والشفرات، فهي إجراء تجميلي بحت، ولا يوجد أي دليل علمي يدعم فائدتها الصحية، بل على العكس، قد تسبب هذه الحقن مضاعفات خطيرة، مثل التهابات، وتورم، وتكتل المادة المحقونة، وحتى تلف الأعصاب، وفقدان الإحساس بهذه المناطق."
(الفيلر :هو مادة تحقن في الجلد أو الأنسجة تحت الجلد لملء الفراغات والتجاعيد وتحسين مظهر الجلد. هناك أنواع مختلفة من الفيلر، ولكن الأكثر شيوعًا هو حمض الهيالورونيك.)
وحذرت الجنابي النساء من الانسياق وراء الإعلانات المضللة التي تروج لهذه الإجراءات التجميلية، ودعتهن إلى استشارة طبيبة متخصصة قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بصحتهن، حيث تقول "صحة المرأة هي أغلى ما تملك، وعلى النساء أن يكن أكثر وعيا ودراية حتى لا يقعن ضحية للاستغلال من قبل ضعاف النفوس".
البحث عن الرضا الزوجي
في رحلة بحثها عن "الجمال المثالي"، وقعت نور (اسم مستعار) 48 عامًا، ضحية لإغراءات عيادات التجميل التي تُروّج لحقن الفيلر في منطقة الفرج، تحت شعار استعادة "الحيوية والشباب".
انجذبت نور إلى الوعود المغرية التي انتشرت من خلال إعلانات مختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تحدثت عن فوائد هذه الحقن في امتلاء الشفرات وتقليل التجاعيد حول الفخذين، بالإضافة إلى توريد المنطقة. وعلى مدى شهرين، خضعت نور لثلاث جلسات، كلفتها الجلسة الواحدة 400 ألف دينار عراقي (حوالي 300 دولار أمريكي).
في البداية، كانت راضية عن النتائج، ولكن سرعان ما تحولت فرحتها إلى قلق عندما لاحظت تكتل المادة المحقونة في بعض المناطق، مما تسبب لها في انزعاج كبير. اضطرت بعد ذلك إلى زيارة عيادة تجميل أخرى، حيث نصحتها الطبيبة بإجراء عدة جلسات لتذويب المادة، بتكلفة 100 ألف دينار عراقي للجلسة الواحدة (حوالي 75 دولار أمريكي).
تعتبر نور أنها تجربة فاشلة، حيث كلفتها خسائر مادية ومعاناة نفسية، بالإضافة إلى الوقت الضائع في المراجعات المستمرة لعيادات التجميل. وتقول: "لا أنصح أي امرأة بالخضوع لمثل هذه الإجراءات، فالمخاطر والتكلفة تفوق الفوائد بكثير".
في رحلة بحثها عن "الرضا الزوجي"، وجدت شهد (اسم مستعار) 26 عامًا، نفسها في دوامة من الإجراءات التجميلية التي بدأت بحقن البوتوكس للتغلب على آلام الجماع، وانتهت بحقن الفيلر لتوريد وتبييض المنطقة الحساسة.
تقول شهد: "لقد ساعدني البوتوكس في تجاوز الألم، لكنه للأسف تسبب في فقدان الإحساس بالنشوة.
وتضيف:" لم أتوقف عند هذا الحد، فقد أقنعتني طبيبتي النسائية بتجربة حقن الفيلر لتوريد وتبييض المنطقة الحساسة، وهو ما جعلني أشعر بالرضا والسعادة، خاصة وأن زوجي أبدى إعجابه بالنتيجة".
تخضع شهد لجلسات التوريد والتبييض كل شهرين بتكلفة 200 دولار أمريكي للجلسة الواحدة. وبالرغم من الألم الذي تشعر به أثناء الحقن، إلا أنها مصرة على الاستمرار في هذه الإجراءات، بل وتفكر في تجربة الليزر لتفتيح المنطقة الحساسة، على أمل أن يكون أقل إيلامًا.
تجربة شهد وغيرها من النساء تسلط الضوء على الضغوط التي تتعرض لها النساء الشابات لتحقيق "المثالية" في جميع جوانب حياتهن، بما في ذلك المناطق الأكثر حميمية.
يقول الدكتور أنور جبار، أخصائي في الطب النفسي، أن النساء يتعرضن لضغوط اجتماعية هائلة لتلبية معايير جمال غير حقيقية، وغالبًا ما تكون مفروضة من خلال وسائل الإعلام والصور النمطية السائدة. هذه الضغوط المستمرة يمكن أن تؤدي إلى تشويه صورة الجسد لدى المرأة، وتدني تقديرها لذاتها، مما يدفعها للبحث عن حلول سريعة ومؤقتة، مثل عمليات التجميل غير الضرورية." ويضيف " إن الرغبة في الحصول على منطقة تناسلية مثالية، تكون عادة مدفوعة بصورة جسد سلبية متجذرة في نفسية المرأة، نتيجة للتنمر أو المقارنة بالآخرين أو التعرض لرسائل إعلامية سلبية. وعندما تخضع المرأة لعملية تجميلية بدافع من هذه الصورة السلبية، فإنها قد تشعر براحة مؤقتة، ولكنها سرعان ما تعود إلى حالة عدم الرضا عن نفسها، وقد يتفاقم لديها الأمر ويتطور إلى القلق والاكتئاب."
وأوضح الدكتور جبار أن "هذه العمليات لا تعالج المشكلة الأساسية، وهي عدم تقبل الذات. بل على العكس، قد تؤدي إلى تفاقم المشكلة، خاصة إذا لم تحقق العملية النتائج المرجوة، أو إذا ظهرت مضاعفات غير متوقعة. فعلى سبيل المثال، قد تسبب حقن الفيلر في منطقة المعينة ألماً أو التهاباً أو تشوهاً، مما يزيد من معاناة المرأة ويؤثر سلباً على صحتها النفسية."
ويختم الدكتور جبار قوله بأن " الحل الحقيقي يكمن في تغيير نظرتنا للجمال، والتركيز على الصحة النفسية والجسدية للنساء، وتعزيز ثقافة تقبل الذات بكل ما فيها من تنوع واختلاف. يجب أن نعمل على تمكين المرأة ومساعدتها على بناء صورة جسد إيجابية، وتعزيز ثقتها بنفسها، وتشجيعها على البحث عن السعادة والرضا في جوانب أخرى من حياتها، بعيداً عن معايير الجمال الزائفة."
مخاطر صحية جسيمة
تنتشر عمليات التجميل النسائية بشكل ملحوظ في المدن العراقية الكبرى، وعلى رأسها بغداد والبصرة وبعض المحافظات الشمالية منها أربيل، بينما تكاد تكون غائبة عن الأرياف والمناطق النائية.
وفي داخل المدن، تتركز هذه الظاهرة في الأحياء الراقية والمناطق المعروفة بثرائها، مثل المنصور والزيونة والكرادة وشارع فلسطين في بغداد. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى التكلفة الباهظة لهذه العمليات، والتي تتطلب جلسات متكررة للحصول على نتائج مقبولة، مما يجعلها حكرًا على طبقة اجتماعية معينة من أصحاب الدخل المرتفع.
من خلال سؤالنا لتسع مراكز تجميل وعيادات تقوم بهذه العمليات في بغداد، تبين أن نسبة كبيرة من النساء اللواتي يخضعن لعمليات التجميل النسائية هن من المتزوجات، أما عمليات" التبييض والتوريد" فتخضع لها نسبة كبيرة من الفتيات المقبلات على الزواج كجزء من الاستعداد للحياة الزوجية، ويلجأن لهذا الإجراء بسبب الضغوط التي يتعرضن لها من قبل أزواجهن أو المجتمع لتحقيق معايير جمال معينة. ومع ذلك، فإن هذه العمليات لا تقتصر على الفئات المذكورة سابقا فقط، بل تشمل أيضًا المطلقات والأرامل، اللواتي قد يلجأن إليها بهدف استعادة ثقتهن بأنفسهن وجاذبيتهن.
إن هذه الخريطة الجغرافية والاجتماعية لانتشار عمليات التجميل النسائية في العراق، تكشف عن وجود علاقة وثيقة بين هذه الظاهرة والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع. ففي ظل غياب الوعي والضغوط الاجتماعية المتزايدة، تجد العديد من النساء أنفسهن يدفعن ثمنًا باهظًا لتحقيق معايير جمال زائفة، قد تُعرّض صحتهن للخطر وللإستغلال المادي.
في حديث مع عضو في مجلس نقابة الأطباء رفض الكشف عن إسمه، أكد على أهمية التوعية بمخاطر عمليات تجميل الأعضاء التناسلية، مشيرًا إلى أنها "ليست مجرد إجراءات تجميلية بسيطة، بل تحمل في طياتها مخاطر صحية جسيمة قد تؤثر على حياة المرأة، منها الالتهابات، والألم المزمن في منطقة الحوض والمهبل، وتلف الأعصاب وفقدان الإحساس، ومشاكل في الولادات المستقبلية."
وأوضح عضو مجلس نقابة الأطباء :"أن هذه العمليات، التي تشمل التضييق وتجميل الأعضاء التناسلية، تتم في كل من العيادات والمستشفيات، ويتطلب بعضها تخديرًا عامًا مثل عملية التضييق، بينما تتم الإجراءات الأخرى تحت تخدير موضعي. كما تتطلب فترات تعافي تتراوح بين أسبوع وعدة أشهر." وحذّر من اللجوء إلى مراكز غير مرخصة أو أطباء غير مؤهلين لإجراء هذه العمليات، مؤكدًا على أهمية استشارة طبيب مختص وموثوق قبل اتخاذ أي قرار بشأن هذه العمليات."
وفي سؤاله عن أي شكوى وردت للنقابة أو اجراء اتُّخذ بحق أطباء قاموا بهذا النوع من المخالفات، رفض التعليق على الأمر.
تتبعات قانونية
يُوّضح علي عبد الاله، محامي متخصص في القانون الجنائي وحقوق الإنسان أن القانون العراقي يهدف إلى حماية الأفراد من الاعتداءات الجسدية التي تسبب ضررًا، سواء كان هذا الضرر دائمًا أو مؤقتًا. وبالتالي، فإن أي إجراء طبي غير ضروري يسبب ضررًا للمرأة "يمكن أن يعتبر جريمة بموجب القانون." وهنا يُذكّر بالمادة 416 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، والتي تنص على أن
" كل من أحدث بخطئه أذى أو مرضاً بآخر كان ذلك ناشئاً عن إهمال أو رعونة أو عدم انتباه أو عدم احتياط أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والأوامر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين ."
ويرى المحامي أنه يمكن تطبيق هذه المادة على عمليات التجميل النسائية إذا لم تكن هناك ضرورة طبية لإجرائها، أو إذا تم إجراؤها على قاصر دون موافقة ولي أمرها. في هذه الحالات، يمكن اعتبار الطبيب أو المركز التجميلي الذي أجرى العملية مسؤولاً جنائيًا."
وشدد المحامي عبدالاله في ختام حديثه على أن "حماية المرأة من العنف والتمييز، بما في ذلك العنف الطبي، هي مسؤولية الدولة والمجتمع. ويجب على الجهات المعنية تشديد الرقابة على مراكز التجميل والأطباء، وتوعية النساء بالدرجة الأولى حول الضرر الناتج عن مثل هذه العمليات."
لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)
Comments